فيروس كورونا: فوضى الموت في عصر الأنثْروبُوسِين[1]

دراسة عيّنات سلوكيّة في مواجهة الجائحة بمدنين[2] جنوب شرق تونس

محمّد فارس. باحث (جامعة تونس)

مدخل:

ونحن نهمّ بالتّفكير في مصير الانسانيّة حين بلوغها حافّة الذّعر الكونيّ نستحضر بلا شكّ عبارة نورمان لويس Norman Lewis في مقال له بموقع Spiked حين أشارإلى أنّ "لعبة إلقاء اللّوم على كوفيد يمكن أن تدمّر الثّقة في العِلم"[3]. كما نستعير من المؤرّخة الفرنسيّة جوديث راينهورن- Judith Rainhorn موقفها بشأن تكيّف عالمنا مع السّموم "القانونيّة" لجميع أنواع الأسباب الوجيهة، دون أن ننسى طبعا ذلك السّؤال المركزيّ الذي اتّكأ عليه مارك أولانو- Marc Olano في دراسة له بعنوان "كوكب مهدّد عقول مضطربة" حين استنتج أنّ "المجتمعات البشريّة تتعامى عمدا عن التّهديدات التي تلحقها بنفسها وتتجاهلها"[4].

حتما هناك وجوه من التناصّ للفهم والقياس ونحن نراجع حجم الخلخلة الذي أصاب "جدار اليقين الذي أهدتنا إيّاه العولمة السّعيدة والحداثة المفرطة، والذي حطّمته جائحة كورونا، مؤكّدة أنّ النّبوءات لم تصدق، وأنّ السّقوط والخراب وانعدام الجدوى كلّها باتت مُمكنات للتعامل مع واقع قاسٍ ومؤلمٍ، حيث التّرقّب أفق والضّجر احتمالٌ"[5].

في السّابع من شهر جانفي 2020، أُعلن في الصّين عن ظهور أوّل حالة إصابة بكوفيد 19 في مدينة ووهان[6]، لتنتشر الجائحة بشكل متسارع وتشمل أكثر من 159 دولة في شتّى أنحاء العالم[7]. ممّا دفع دول الاتّحاد الإفريقيّ (UA) لاحقا إلى المبادرة بوضع شروط صحّية صارمة -ربّما ترسّخت عن عقود من مواجهة فيروس إيبولا Ebola خاصّة في غرب إفريقيا- ورأى المختصّون في المجال الصحّي أنّ أنسب الحلول لمحاصرة الآفة إفريقيّا قد يكون الحجر الصّحيّ الشّامل[8]. وهنا أنتجت الجائحة صنوفا جديدة من الخطابات "توزّعت بين "التّديين" و"التّسْييس" و"الدّولنَة" و"التّهويل والتّهوين". وفي الآن ذاته أنتجت خطابا آخر يمكن توصيفه بالهندسة الأخلاقيّة للجائحة والذي يُعنى بالنّصائح التّدبيريّة للتّعاطي مع الحجر الصّحّي ليس فقط في مستوى الاحترازات الصّحّية ولكن في مستوى التعامل مع فائض الزّمن... وكذا في مستوى الإرشاد النّفسيّ والاستماع والتّوجيه التّربويّ"[9].

منهج الدّراسة:

لقد ركّزت البحوث المنتمية إلى حقل السّوسيولوجيا والأنثروبولوجيا الثّقافيّة والمتعلّقة بالحيّز المغاربي أو الإفريقيّ منذ عقود كأعمال جاك بيركJacques Augustin Berque ، أو جهود كليفورد غيرتز Clifford Geertz على ضرورة فهم الإنسان المغاربيّ "في ضوء فهمه وتعامله المعقّد مع المشاكل أو المعطيات التي يفرضها المجال الجغرافيّ أو التّنظيم الاجتماعيّ".وكلاهما "أنتج أعماله بعد مراكمة كبيرة لمعارف دقيقة بلُغات النصّ والميدان. كما أنّ الجامع بين غيرتز وبيرك هو تشابه جغرافيّة العمل الميدانيّ أوّلا. فرحلة بيرك العلميّة بين السّوربون والجزائر والمغرب استمرّت زهاء الأربعين سنة. في حين نشأ غيرتز في الميدان الأندونيسي إلى حدود السّتينيّات ([10]).

إنّ تأويليّة غيرتز تستند بالأساس إلى تعريف كلايد كلوكونللثّقافة في كتابه "Mirror For Man" والذي هو بالأساس مفهوم سيميائيّ (S�miotic). ليشترك في قناعاته مع ماكس فيبر Max Weberفي اعتباره الإنسان "حيوانا عالقا في شبكات رمزيّة نسجها بنفسه حول نفسه. وعليه فتحليلها يجب أن لا يكون علما تجريبيّا يبحث عن قانون، بل علما تأويليّا يبحث عن معنى"([11]).

من هذا المنطلق سيكون بحثنا مستندا إلى منهج الوصف والتّأويل. إذ سعينا إلى وصف عيّنة من الأزمنة والأنظمة الإستثنائيّة التي تمّ رصدها في السّياق الإفريقيّ للتعامل مع التّهديد الفيروسيّ كما شكّله وباء كورونا. وقد اخترنا ولاية مدنين الواقعة جنوب شرقيّ البلاد التّونسيّة مجالا جغرافيّا ندرس من خلاله عيّنات سلوكيّة فرديّة وجمعيّة تبلورت في إطار الوعي بخطورة الجائحة والتصدّي لها. ورَاوحَتْ في ردود أفعالها بين الالتزام بشروط المعرفة العلميّة وبين الالتجاء إلى تجارب التطبّب الشّعبيّ بحثا عن خلاص فرديّ ينتهي أحيانا بالتنكّر، على المستوى السّلوكيّ، لشروط الحداثة أو خلاص جماعيّ ينقلب على مفهوم المواطَنة وأُسس تمثّل كيان الدّولة.

كما حاولنا تقصّي المظاهر المختلفة للاحتجاجات الاجتماعية المتولّدة عن هذا الوضع والتي تضخّمت تحت حمأة الإحساس بالتّهميش لترفع من سقف مطالب المساواة في المواطنة العلاجيّة والبيئيّة بعد أن كانت حركات الاحتجاج مقتصرة على مطالب تقليديّة كالحرّية والكرامة والتشغيل، وكسر مقولة مركزيّة أقاليم على أخرى لنختم في النهاية برصد أهمّ مظاهر التّحوّل في الوعي بمخاطر التّهديدات الفيروسيّة غير المألوفة. محاولين استثمار المسألة من زاوية حقل العلوم الانسانيّة عبر الدّعوة إلى التفكير في العدوى الفيروسيّة، تدرّجا من واقع محلّي ضيّق مرورا بوضع الدّول والكيانات الإقليميّة وربّما وصولا إلى رؤية قارّية وحتّى كونيّة تُعدّد الاختصاصات والمقاربات. وبذلك يتجاوز الانشغال بفيروس كورونا المستجدّ حدود الاهتمام العلميّ (أي من حيث هو ظاهرة "حقيقة" بيولوجيّة) إلى اعتباره مصدرا للمعلومات أو مجالا لرهانات بحثيّة جديدة تدرس نوعيّة العلاقات التي تربط المجتمعات المحلّية بالمؤسّسات الرّسميّة، أخذا بعين الاعتبار وعي الشّرائح والأفراد بكيفيّة "اجتراح اليوميّ"[12] زمن الأزمات، وكيفيّة ابتكار حلول للحفاظ على الذّات ومدافعة الموت عبر إدارة الموارد الطبيعيّة وطرق إنتاج المعارف المساعدة.

إنّنا ونحن نحاول مقاربة الأنظمة الاستثنائية زمن جائحة كورونا وما نتج عنها من احتجاجات نلامس عدّة قضايا في علاقة بعلم النّفس. خاصّة متى ركّزنا على فهم العلاقة مع الصّدمات بدءا بمرحلة الإنكار (الحاضر بقوّة في التّصريحات الأولى حول نِسَب الإصابة) حيث تضخّمت في الوعي الجمعيّ نظريّة المؤامرة حول مصدر إنتاج هذا الفيروس التّاجيّ. لتليها مرحلة القبول بالأمر والبحث عن سُبل للتعامل معه أنعشت خطاب التّهوين أو التّهويل (خطابات في شكل نُكتٍ أو إشاعات تنتشر بسرعة في الفضاءات الرّقمية). بعدئذ يُفرِد الواقع مجالا للحلول العمليّة في التّعاطي مع الجائحة بفائض من الانشغال يتجاوز عتبات الدّهشة والإنكار المبدئيّين. أمّا المرحلة الأخيرة فهي قبول التّعايش مع الجائحة عبر اختراع بروتوكولات الوقاية وسَنّ العادات الصّحيّة الاحترازيّة من قبيل وضع الكمّامات وتوفير صنوف المطهّرات والتزام مسافة التّباعد....

نُذكّر في هذا السّياق أنّ عالم الأحياء منفراد إيجنManfred Eigen [13] حين عرّف التطوّر البشريّ في كتابه "درجات نحو الحياة"[14]، بكونه "لعبة ذات عدد قليل من القواعد الثّابتة، وذات المسار المنتفخ" لم يكن ينظر إلى علم الفيروسات باعتبارها مشغلا بحثيّا يتجاوز فضاء المخابر ومراكز البحوث أو تصوّرات الباحثين في التطوّر البشريّ ومراحل التّأنّس. خاصّة وأنّ هؤلاء بدورهم كانوا قد تجاوزوا منذ زمن القول بأنّ الشّروط الأساسيّة وحاجات الجسد الانسانيّ واحدة لدى جميع البشر، لكنّ تشكيل التّاريخ والثّقافة لها مختلف. وطبّقوا ذلك على دراسة العلاقات الجنسيّة والعلاقات بين الأجيال وقضايا التّغذية واللّباس.

لكنّ فيروس كورونا[15] الذي ضرب المدينة الصّينيّة "ووهان" Wuhan تجاوز إعادة مبحث الفيروسات إلى الواجهة، ليضع البشريّة أمام جملة من التحدّيات يمكن بلورتها في شكل ومضات برقيّة تنقل قلق الانسانيّة ولعلّنا يمكن أن نتدرّج في صياغتها من العامّ إلى الأكثر خصوصيّة:

-       هل إنّ وباء كورونا هو بداية الإطلالة على عصر الأنثروبوسينAnthropocene المرعب؟

-      هل دخلت البشريّة حقّا عصر اللّاعودة وأطلّت فعلا على مدارات الرّعب جرّاء تأثيرها السّلبيّ في المناخ والبيئة و في جميع الأنظمة الحيويّة على الأرض؟

-      هل تمتلك البشريّة علميّا -وكما تزعم- "قاعدة بيولوجيّة مشتركة" توحّدها، بمعزل عن "اختلاف أوضاعها الاجتماعيّة وانتماءاتها الثقافية"[16] ؟

-      ألا يتحوّل عدم التكافؤ في البنى التحتيّة من بلد إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى عائقا في مواجهة الجائحة؟

-      هل تتوافر لسكّان الهوامش الرّيفيّة حظوظ المراكز الحضريّة نفسها من حيث إمكانات الصّمود وتحقيق الاكتفاء غذائيّا وصحّيا؟

-      هل ستقوم نسبُ التّمدرس والوعي الطبقيّ وامتلاك آليات التّواصل رقميّا مع العالم بدور مؤثّر في التفاعل مع هذا الوباء؟ أم ستلوذ هذه الشّرائح بمؤسّسات اجتماعيّة أقدم من الدّولة في مراتب العمران البشريّ لتحيِيَ مؤسّسة القبيلة والعائلة الموسّعة في مواجهة الوعي بالمواطنة والإيمان بقدرة الدّولة ومؤسّساتها؟

-      ما حظّ نِسَب التّعلّم في دولة الاستقلال من التّوظيف في مواجهة المحنة؟ أم إنّ الأزمة ستدفع شرائح واسعة للاحتماء بتجارب التطبّب وممارسات "مجتمعات الجنْي"[17] لتنتهيَ غارقة في الغيبيّات منتمية إلى "مشرّدي الميتافيزيقا" بعبارة هابرماس؟

إنّ هذه المحاولة تسعى إلى بناء مقاربة وصفيّة تأويليّة للظّاهرة السّلوكيّة في هذه النّقطة من إفريقيا، مستندة إلى التّمشّي التّالي:

1-محاولة السّلوك الفرديّ فهم الظّاهرة وإيجاد تفسير لها:

لقد تجلّى ذلك عبر مراوحة الأفراد في استقاء المعلومة بين المصادر العالمة (الانترنت/ التلفاز/ آراء الأطبّاء وأهل الاختصاص...) والمصادر الشّعبيّة الشّفاهيّة (المرويّات/ تجارب كبار السّنّ / الإشاعات.....) ليستمرّ الجدل بين اعتبارها ناتجة عن سباق تسلّح جرثومي رهيب بين قوّتين عسكريّتين (الصّين من ناحية والولايات المتّحدة الأمريكيّة من ناحية أخرى) أو اعتبارها نتيجة خطأ مخبريّ وقع في مدينة ووهان وخرج عن السّيطرة.

لكنّ اللّافت للنّظر يكمن في صنف من التّفسيرات الأكثر إيغالا في الغيبيّة من قبيل تلك المواقف التي تعتبر الفيروس عقابا إلهيّا لأمم كافرة خرجت عن الحدود الشّرعيّة في المأكل والمشرب....

لقد بدأت بعض المسلّمات في التّهاوي مع بداية تسجيل أولى الإصابات في البلدان العربيّة. وأيقنت الجموع أن التّهديد حقيقيّ وعامّ. وممّا زاد في إرباك الجموع تلويحُ الجهات الرّسميّة بإمكانيّة فرض الحجر الصّحي دون تحديد دقيق للمدّة ولا للشّرائح المعنيّة، ممّا حيّر فئات عديدة تشتغل للحساب الخاصّ وخاصّة أصحاب المهن الخاصّة وقطاع الحِرف وبعض القطاعات الهامشيّة... وفي هذا المستوى بدأ ظهور القلق من سرعة تفشّي الفيروس الذي أكّد مرّة أخرى الوعي بحقيقة المصير المشترك للبشريّة، والذي ينبغي أن يكون منطلق السّياسات بين الدّول زمن الكوارث. بل وصل الأمر إلى حدّ الشّكّ في مسلّمات الحداثة وآلياتها. فالطّائرات التي كانت تعتبر الوسيلة الأسرع والأنجع في نقل الإمدادات الإغاثيّة "تحوّلت خلال الأسابيع الأولى إلى ما يشبه طائر النّار (الحدأة) المتّهم بنقل أعواد النّار وتوسيع بؤر الحرائق في مناطق الغابات"[18].

2-بداية الوعي بمخاطر الجائحة والانخراط في البحث عن الحلول:

لقد ترافقت هذه المرحلة في هذه البقعة من القارّة الإفريقيّة مع كمّ هائل من القصف الإعلاميّ يتابع تطوّرات الوضع الوبائي في بلدان الشّمال وفي الصّين والولايات المتّحدة. ثمّ بداية رصد بعض حالات العدوى محلّيا. ساد القلق حول الأمن الغذائيّ. ومال السّلوك الجمعيّ نحو تخزين صنوف الأطعمة والأشربة في ظلّ حجر صحّي لم يُعلَن بدقّة عن مدّته بل ظلّ رهين تحسّن الوضع الوبائيّ.

أدّى هذا السّلوك الاستهلاكيّ غير المسبوق بدوره إلى إرباك دورات الانتاج والتّوزيع، واختلال ميزان العرض والطّلب في ظلّ خوف العائلات وفرض التّجار قيودا على كمّية المقتنيات (حليب/ دقيق / سميد/ ومشتقّات الأغذية بأنواعها...) ممّا فتح الباب مشرعا لصنوف من المضاربات والاحتكار الذي زاد الوضع تأزيما.

أمّا فيما يتعلّق بشروط الأمن الصحّيّ �وتحت تأثير القصف الإعلاميّ- فقد بدأ ظهور محاولة اتّباع قواعد صحّية صارمة من قبيل إجباريّة ارتداء الكمّامات في الأماكن العامّة، وما يرافقها من اقتناء المطهّرات لتسهم ربّات البيوت في فرض بروتوكولات إضافيّة من قبيل إجباريّة غسل كلّ المقتنيات والمشتريات خضرا كانت أم معلّبات. مع الحرص أحيانا وإذا أمكن على ترك حيّز زمني يمتدّ لأيّام قبل استهلاكها (نتيجة الوعي بأنّ الفيروس يموت خلال ساعات متى لم يجد بيئة حاضنة).

وفي هذا الظّرف تحوّلت البيوت إلى أماكن خزن كبيرة في ظلّ خوف من طول فترة الحجر الصحّي (تبيّن هذا لاحقا بعد رفع الحجر ورؤية فائض الخزن الذي أتلفه سوء أوضاع التّخزين أو انتهاء الصّلاحيّة. فانتهى المشهد إلى تكدّس السّلع الغذائيّة في حاويات القمامة أو أعلافا للحيوانات في الأماكن الرّيفيّة).

لقد ترسّخ عن سلوك الحيطة والحذر ميل الفئات الوسطى إلى الاستعمال المفرط للجافال والكحول وأنواع الجال المعقّم، كما تمّ تخصيص أثواب للخروج والاختلاط، تنزع عند الضرورة بمجرّد العودة إلى البيت. أمّا في الأسواق وعند أصحاب المحلّات والدّكاكين فقد ظهر الحرص على تعقيم الأيدي والنّقود معدنيّة وورقيّة باعتباره سلوكا احترازيّا إضافيّا يُجنّب بل يحدّ من انتشار العدوى.

 
أمّا الفئات الأقلّ رفاها والبعيدة عن مركز الحواضر فقد تجلّى ميلها إلى إيجاد حلول أقلّ كلفة: مثل غلْي أوراق الإيكاليبتوس أو الإكثار من دخان البخور في غرف المنازل وأماكن السّكن الجماعيّ، أو الميل إلى الأطعمة الحرّيفة عبر الإفراط في استهلاك الفلفل والثّوم والبصل، أو المشروبات الدّافئة التي تحوي القرنفل والزّنجبيل وحشائش الجبل. (راجت بعض هذه الفيديوهات وبكثرة على صفحات الوسائط الرّقميّة ولقيت نِسب مشاهدة عالية خاصة متى زعمت أنّ تجارب العلاج كلّلت بالشّفاء).

 

3- الإنعكاسات السّلوكيّة:

       بلوغ حافة الذّعر:

لا شكّ في أنّ البشريّة وهي تتابع تفشّي الجائحة في مناطق من العالم مثل الصّين والولايات المتّحدة وبلدان أوروبّا، قد استفادت كمّا غير قليل من الخبرات وراكَمتْها على صعيد الممارسة. بدءا بالانخراط في سلوكيّات جمعيّة أقرب إلى الارتجال ومحاولة التّأثير عبر السّبق المعرفيّ، ولو بسرعة نشر الإشاعات أو تهويل الأخبار أو حتّى اختلاقها (أخبار موت المقيمين في بعض أقسام المستشفيات جراء انقطاع الأوكسيجين[19]... نشر فيديوهات لمسؤولين يائسين يردّدون بأنّ حلول الأرض قد نفذت.... نشر أخبار توسّع الإصابات بين صفوف الأطقم الطّبّية.... أو نقص الأدوية...) (التّرويج لمشاهد ترسم انسداد الآفاق (صور قبور تنتظر جموع الموتى... أو مشاهد حرق جماعيّ للجثث في الصين والهند .... أوصورة رئيس وزراء إيطاليا وهو يردّد انتهت حلول الأرض والأمر موكول إلى السّماء......)

إنّ المتابع لسلوك الجموع إبّان تفشي الجائحة الذي يرتقي إلى حالة الهستيريا أو الجنون، لا يمكن أن يُغفل موقف الصّحفيّ البريطانيّ روس كلارك Ross Clarke وهو يجادل بشكل مقنع في مجلّة "Spectator" بأنّ "أخطر شيء في فيروس كورونا هو حالة الهستيريا". ليعقّب فيليب ألدريك Philip Aldrick محرّر الاقتصاد في صحيفة التّايمز "ما يجب أن نخافه هو حالة الذّعر، أكثر من الفيروس بحدّ ذاته"[20].

       طغيان الذّوتنة:

ومن هنا يمكن رصد بعض ملامح انهيار مفهوم المجتمع الحداثيّ وتراجع سلطة القانون (افتكاك مادتيْ السّميد والطّحين ونهبهما في بعض المناطق المعزولة أو ظهور بعض صنوف الاحتجاجات واقترانها أحيانا بالاعتداء على الممتلكات الخاصّة أو العامّة. دون إغفال اختلاط الاحتجاج على فشل الحكومات السّياسيّة بتلك المشاكل الاجتماعيّة الناتجة عن البطالة والتّهميش وبأخرى مطالبة بالمساواة العلاجيّة والصّحيّة... )

وفي جميع تلك الممارسات وإن ضاقت، طغيانٌ للذّوْتَنة في المستوى الفرديّ والجماعيّ، تشكّل في نكوص الأفراد إلى مفاهيم أسبق من المواطنة مثل العائلة والعشيرة والقبيلة. وصل الأمر إلى حدّ رفض العاملين بمستشفى مدنين قبول إيواء مصابة بالفيروس قادمة من جزيرة جربة، ممّا أحدث أزمة قديمة متجدّدة أسالت الكثير من الحبر والنّقاشات. اشترك فيها بعض السّياسيين وحتى الأكادميّين من أساتذة الجامعات[21].ليعيدوا تناول مسألة استقلال جزير جربة "إداريّا" بين ممكنات قرارات الدّستور في المرحلة الانتقاليّة والتخوّف من العواقب التي يمكن أن تنجرّ عن الاستجابة لمثل هذا المقترح، خاصة في ظلّ عمليّة انتقاليّة تعيشها البلاد وتتميّز بهشاشة الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسّياسة. وقد حصرت هذه التخوّفات في مسألتين أساسيّتين: أولاهما التخوّف من تغذية الشّعور الجهويّ أو ما يطلق عليه بـ الجهويّات� مع ما يعنيه ذلك من خطر على وحدة الدّولة. لأنّ وضع جزيرة جربة بحكم انعزالها الطبيعي (isolement/insularit�) يقوم عائقا أمام ارتقائها إلى رتبة ولاية منفصلة جغرافيا عن بقية التّراب الوطنيّ). وثانيهما المخاطر التي يمكن أن تنجرّ عن مثل هذا القرار بمطالبة مناطق أخرى بإحداث ولايات جديدة. وهو ما من شأنه أن يدخل البلاد في دوّامة من عدم الاستقرار الاجتماعيّ والسّياسيّ.

ومهما كانت مآلات هذه الطّروحات فإنّ ما يعنينا هو إسهام الجائحة في ظهور الاحساس باختلال التّوازن بين الجهات وتغذية الشّعور بعدم الإنصاف لدى شريحة هامّة من المواطنين من سكّان المناطق الدّاخلية أو الأحياء الشعبيّة بسبب ضعف التّجهيزات والخدمات العموميّة.

أمّا تفشّي الأنانيّة فقد جلّته حالات رفض إعادة بعض مكثّفات الأوكسيجين بعد استخدامها من طرف عائلات بعض المصابين رغم أنّ الجهات الموفّرة لها إمّا أفراد خواصّ وإمّا جهات غير حكوميّة تنتمي إلى جمعيّات المجتمع المدنيّ. كذلك كثرة الاعتداءات على الأطقم الطّبّية أو اللّهفة على تخزين الأدوية المخصّصة لمكافحة الفيروس وتخزينها حتّى قبل الإصابة بالعدوى أو ظهور علاماتها.

أمّا عند شقّ ثالث فقد ظهر العزوف عن التّفكير الجدّي في الحلول، ومحاولة البحث عن ملجأ أو مهرب عبر ابتكار حلول ترفيهيّة هشّة تكشف البنية الدّاخليّة للمأساويّ في النّفوس[22]. وهي تركيبة مثيرة للشّفقة ومخيفة في آن لأنّها تستعيد تعريف جورج باطاي "لطقوس الانتهاك" في علاقتها "على وجه الدّقّة باتّصال الكينونة التي تجلّت لأولئك الذين يركّزون انتباههم على موت كائن منفصل خلال طقس جماعيّ[23]

وفي مقابل طغيان الأنانيّة المفرطة ظلّت أجهزة الدّولة تسعى - رفقة بعض مؤسّسات المجتمع المدنيّ والمؤسّسات الدّوليّة (مثل المجلس التّونسي للّاجئين، المعهد العربيّ لحقوق الإنسان- فرع الجنوب، والجمعيّة الجهويّة للصحّة الإنجابيّة، وجمعيّة أطبّاء العالم بتونس...)- في إطار وعيها بتشبيك العلاقات جاهدة إلى الإحاطة ببعض الشّرائح فاقدة السّند.

فقد نظّم المعهد العربيّ لحقوق الإنسان أنشطة تُعنى بشؤون اللّاجئين مثل تعقيم مبيت ابن خلدون الخاصّ باللّاجئين يوم 09-04-2020، كما عقد زيارات ميدانيّة إلى المعابر الحدوديّة مثل معبر ذهيبة-وازن ومخيّم اللّاجئين بالفطناسيّة المُزمع إقامته في معتمديّة رمادة استباقا لنتائج الصّراع بين طرفي الأزمة في ليبيا آنذاك[24].

ورغم ما رافق هذه الأنشطة من دعم قانونيّ مثل حزمة الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة التّونسيّة يوم 07 أفريل2020، (وهي مبادرة قانونيّة اعتبرت سابقة إيجابيّة في الدّول العربيّة) ظلّت نسبة إقبال الأجانب على التّلقيح ضعيفة.

[25]

ففي 11 أوت 2021 صرّح مدير الصّحة الوقائيّة بالإدارة الجهويّة للصحّة بمدنين الدكتور زيد العنز في تصريح لمراسلة إذاعة تونس الرّقميّة أنّ المهاجرين المقيمين في جرجيس ومدنين قد امتنعوا عن تلقّي التّطعيم ضدّ فيروس كورونا، فيما قَبِلته امرأةٌ واحدة تجاوز عمرها 64 سنة.وأضاف الدكتور العنز أنّ سبب الامتناع يعود إلى خوف اللّاجئين من حدوث مضاعفات جانبيّة. معلّلين الأمر بأنّ بنيتهم الجسديّة تسمح لهم بمواجهة الجائحة[26].

       اجتراح هندسة أخلاقيّة جديدة وتحويل الفضاء الإلكتروني إلى فضاء يزخر بالقصص الملهمة:

نشير بدءا إلى أنّه في ظلّ هذه الأزمة العالميّة حاولت المؤسّسات الدّينيّة أخذ حيّز في تجربة المواجهة. وتحوّلت الكثير من الأعمال الرّعويّة للقيادات الدّينية في العالم الواقعيّ إلى الفضاء الإلكترونيّ. وفي ذلك محاولة للإحاطة والتّوجيه والمواساة لأولئك الذين يعانون من مشاعر القلق والخوف والعزلة والفجيعة. حيث تدخّلت المنظّمات الدّينية لدعم المجتمعات المحتاجة بتوفير الاحتياجات الضّرورية وتثقيفها بشأن تجنّب العدوى، وكذلك لاتّخاذ إجراءات لضمان توفير الخدمات الاجتماعيّة المناسبة للمُعْوِزِين والمحتاجين. ويكفي هنا أن نذكر دور المركز العالميّ للحوار بين الأديان (KAICIID[27] في العمل على التّواصل مع النّاس بهدف إرشادهم ومساعدتهم في اتخاذ الإجراءات المناسبة لتلبية احتياجات مجتمعاتهم. وقد تمّ ذلك أحيانا بعرض قصص الأمل النابعة من المجتمعات الدّينية المتنوّعة حول العالم أو بتسليط الضّوء على الموارد والبرامج التّدريبيّة المتعلّقة بكيفيّة استخدام الأدوات المتاحة عبر الإنترنت لتيسير العبادات الدّينية ونشر رسائل التّعاون والمشاركة في اتّخاذ إجراءاتٍ عمليّةٍ تخفّف من مظاهر المعاناة.

أمّا محلّيا فإنّ الهندسة الأخلاقيّة لتداعيات الجائحة وما رافقها من إحساس بوطأة الإقامة الجبريّة أعاد إلى الأذهان مفاهيم فلسفيّة من قبيل الإحساس بالخراب وانعدام الجدوى والسّقوط. فباتت كلّها ممكنات للعيش والتّجريب تدلّ على انتصار "العدم والفراغ" عنصرا خامسا أقرّه فلاسفة الإغريق منذ القديم.

وهناك في مرحلة الإحساس بالفراغ عوّلت فئات أخرى على مقولة الخلق بواسطة الفقدان، ولو فقدان القيم، وذلك عبر الانغماس في الاستهلاك والطّبخ وإعداد أنواع مختلفة من الأطعمة أو متابعة فيديوهات الرّقص والتعرّي. فظهرت بطلات اليوتيوب ومواقع التيك توك التي راوحت فيها التّسجيلات بين نقل النّشاط اليوميّ والانغماس في مشاهد العري والإثارة... ربّما بدافع الأزمة المالية الخانقة أو محاولة في استثمار الفضاء الافتراضيّ لكسب الأموال عبر تكثيف عدد المشاهدات[28]...

أمّا في تونس تحديدا فيعثر المتصفّح للفضاء الالكترونيّ بتاريخ 19/03/2020 في موقع الأخبار المغارِبيّة على مقال بعنوان تونس: نرمين صفر[29] تحمي التّونسيّين من الوباء "برقصة الكورونا". نشره عماد بن سعيّد مؤرّخا لأولى رقصات نرمين صفروالتي تزامنت مع خطاب الرّئيس التّونسي قيس سعيدّ الذي وجهه إلى التونسيّين حول تفشّي فيروس كورونا، حيث نشرت صورة لها بقناع طبّي أرفقتها بعبارة "تحدّي الكورونا بالرّقص / حالة وعي، شدّ دارك(اِلزم بيتك). ولم يفت صاحب المقال أن يشير إلى أنّ عددا من التونسييّن أولوا اهتمامهم بعرض نرمين صفر والتي وجدوا رقصاتها أمتع من خطاب السّياسيين على حد تعبير بعض النّاشطين على الإنترنت. إذ ذكرت بعض وسائل الإعلام التّونسيّة أنّ رقصة نرمين حقّقت على الإنترنت نسبة مشاهدة أعلى من خطاب الرّئيس (تابعها مئة ألف شخص) كما أوردت خبر نشرها فيديو أعلنت من خلاله التزامها بالرّقص كلّ ليلة للتّونسيين بشكل مباشر على صفحتها عبر فيس بوك أو حسابها عبر إنستغرام. لترقص وتغنّي و"تُمتع متابِعيها" محاولة بثّ "الأمل والفرحة" في النّفوس. وهو خطاب وصفه البعض بأنّه يبثّ التّفاؤل أكثر من الخطاب الرّسمي الحكوميّ لدى التونسيّين، ويرفع من درجة وعيهم بخطورة الفيروس المعدي. بل تحوّل الأمر لاحقا إلى مصدر تندّر وبهجة. فأحدهم استغلّ فيديوهات الرّقص واسعة الانتشار وكتب باحثا عن قريب له لم يره منذ سنوات، عسَاه يقرأ نداءه على بثّ نرمين المباشر.وحوّل البعض الآخر المسألة إلى مصدر نكتة بكتابة "تعذّرت رقصة نرمين اللّيلة"... عبر فبركة صورة مفتي البلاد، واستعارة عبارة "تعذّرت رؤية الهلال" المرتبطة في الذّاكرة الجمعيّة بموعد إعلان العيد أو دخول شهر رمضان.

خاتمة:

نخلص من تناول هذه العيّنات السّلوكيّة أثناء أزمة كوفيد 19 بجنوب شرق تونس إلى جملة نتائج تربط السّلوك البشريّ في هذا الحيّز الإفريقيّ بردود فعل كونيّة تجلّت في أكثر من قارّة وعلى أكثر من صعيد.

أوّلها أنّه تمّ اللّجوء على صعيد الوعي الفرديّ أو الجمعيّ إلى وضع ضوابط سلوكيّة وأخلاقيّة جديدة منها إعادة النّظر في مفهوم الجماعة وآداب الزّيارة وحضور المناسبات مثل محاولات التّوفيق بين المبادئ القيميّة المتوارثة من كرم وآداب تحيّة أو مُؤاكلة، وبين شروط التّباعد والانعزال وتقليص العدوى. وهنا يكفي أن نحيل على موقف الطبيب النّفسيّ الألماني جان كالبيتسر Jan Kalbitzer [30] في كتابه الصّادر 2020 بعنوان "أن تكون مصابا بالبارانويا الرّقميّة Digitale Paranoia: Online bleiben وقد تناول مسألة الرّهاب العالميّ العامّ بدءا من حرائق غابات أستراليا فيفري 2020 مرورا بالمتغيّرات المناخيّة، وصولا إلى جائحة كورونا التي خلقت نوبات من الهلع الاستباقيّ خشية ما هو آت، وقوّت شعور الشّعوب بالارتباك والعجز نتيجة القطيعة بينها وبين واضعي السّياسات.

وثانيها وبعيدا عن الممارسة، تمّت إعادة النّظر في مسائل ظلّت لعقود حكرا على حقول معرفيّة أقرب إلى الاختصاص الأنثروبولوجيّ مثل التّفكير في حقيقة الموت وطقوس الدّفن وحرمة الجسد. وهو ما جعل الوعي العامّي البسيط ينفتح على أفكار لم تكن معروفة إلّا عند الإناسيّين من أمثال المؤرّخ الفرنسيّ فيليب آرياسphilippe Ari�s [31] الذي درس تيمة الموت وميّز في الحيّز الثقافي الأوروبّي بين الموت المروّض والموت الحقيقي والموت الزّائف أو محاولات جورج آرنس في كتابه "الانتحار: حركة الموت غير المشروع- ميونيخ2001" الذي ميّز في التّاريخ الأوروبّي بدءا من العصر الوسيط بين أشكال أربعة في التّعامل مع الموت[32].

أمّا ثالثها فقد غيّر مجيء كورونا وجه العالم. وسجن الأفراد والجماعات في منازلهم. وأوقف دورات الإنتاج وأوصد أبواب المساجد والكنائس. وحوّل المطارات والفنادق والمزارات السّياحيّة أرضا يبابًا. وسادت "سرديّة الرّعب المعمّم"[33] بين التّهوين والتّهويل. ووضع هذا العدوّ اللّامرئيّ الحكومات والشّعوب أمام ضعفها وعجزها الطّبيعيّين. وهنا بات الهمّ الوجوديّ هو تخزين الطّعام وتأمين الدّواء. فظهرت الأنانيّات المقيتة والفردانيّات المعطوبة. وبدأ التّفكير في هندسة سلوكيّة جديدة أساسها التّباعد وتقليص الاختلاط وتحيين آداب التحيّة والطّعام وحتّى العمل والتّمدرس. ولعلّ التّعاطي السّياسيّ والاقتصاديّ مع الجائحة قد أسهم بدوره في رفع منسوب الهلع والقلق الجماهيريّ العامّ وتوجيهه نحو الاستهلاك، تجسيدا لمخرجات رأسماليّة تحرص على "تسليع المرض والقلق العامّ"[34] سبيلا لتوجيه الجماهير والتحكّم في السّلوك الانسانيّ في وضعيّة الأزمات بفضل إمكانات العصر الرّقميّ بدرجة أولى.

لقد كان كورونا عادلا وديمقراطيّا جدا في دروسه التّعليميّة. وأوّلها استهدافه الدّول القويّة والنامية على السّواء، والفئات الغنيّة والمهمّشة، بل حتّى مختلف المراحل العمريّة دون تمييز في السّنّ أو اللّون أو الهويّة أو الدّيانة.

أمّا الدّرس الثّاني فكان إعلاء صرح العلم والمعرفة مفتاحا أوحد للمواجهة. لأنّ ثقافة التّفاهة والمراهنة على نجوم الغناء والكرة بلوحتّى الموضة والسّينما لن تقيَ العالم من مصير كارثيّ. وهنا تعرّت حقيقة قطاعات حيويّة دوليّة وحتّى عالميّة أُهملت �بدعوى التقليل من الإنفاق العُموميّ-بسبب شروط الجهات المانحة أو القوى الكبرى المُقرضة للمال[35].

وأخيرا تعلّق الدّرس الثّالث بتلميع حقيقة المصير المشترك للبشريّة. فالمعاناة واحدة وإنْ تباعدت الأقطار. والخَسَاراتُ مُشتركة وإنْ تنوّعت الثّقافات والدّيانات. وهنا تكون كورونا قد عرّت إفلاس البشريّة أخلاقيّا لتدفعها مجدّدا إلى ضرورة إعادة التفكير والاعتبار للإنسان بدل تركه عرضة للضّياع وثقافة التّفاهة والتّسطيح.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



[1] - مازال الجدل قائما بين العلماء لإدخال هذا المصطلح إلى سلّم العصور الجيولوجية المعتمدة في تاريخ الأرض. وبحلول عام 1995 تكثّف اعتماد هذا المصطلح في الأوساط العلميّة الرّسميّة بفضل جهود عالم المناخ -الهولندي الأصل- "بول جوزيف كروتزين" Paul Jozef Crutzen (1933-2021) الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء. و لا زال الوسط العلميّ يشهد جدلا حادّا حول مدى صحّة اعتماد هذا المصطلح والفترة الزمنيّة التي يجب أن تنسب إليه.

[2] - تقع ولاية مدنين بالجنوب الشّرقي للبلاد التّونسيّة. وتعدّ حسب آخر إحصائيّات سنة 2014 أكثر من 479 ألف ساكن. أمّا أهم المدن الرّاجعة إليها بالنّظر فهي جزيرة جربة المستقلّة جغرافيّا بحكم موقعها البحريّ ومدن مدنين وبن قردان وجرجيس وبني خداش وسيدي مخلوف. وتتمتّع الولاية بتنوّع تضاريسها الجغرافيّة الجبليّة والسّهلية والسّاحلية.

[3]- Norman Lewis," The Covid blame game could destroy trust in science",Spiked, 3rdJune2021

[4] - Marc Olano : "Plan�te Menac�e, Esprits troubl�s : Comment faire face?"Sciences Humaines, N343, Janvier 2022, pp 54-55

[5] - عبد الرّحيم العطري، "من الحجر إلى الضّجر"، مجلّة الدّوحة، عدد173، مارس2022

[6] -Coronavirus:"Rolling coverage on the impact on Africa",Africa news, 17th March 2020

[7]- Coronavirus Research Center, John Hopkins University

[8]- Oumnia Boutaleb, Face au Coronavirus, l�Afrique se pr�pare au pire, Policy Center For the new South. BP 18-20, Mars2020

[9] - عبد الرّحيم العطري، "من الحجر إلى الضّجر"، مجلّة الدّوحة، عدد173، مارس2022

([10])Clifford Geertz ; After the Fact: Two countries, Four Decades, One Anthropologist: Harvard University Press1995. Pp114���

[11]- كليفورد غيرتز، تأويل الثّقافات، ترجمة محمّد بدوي، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت 2009، ص82

[12]-المصطلح في الأصل لميشال دو سيرتو Michel De Certeau اقتبسناه من حقله السّوسيولوجي في حديثه عن اختراع اليوميّ في كتابه L�invention Du Quotidien

[13] - فيزيائي وعالم أحياء. ولد بألمانيا 9 ماي1927 وتوفّي 6 فيفري2019. نال جائزة نوبل في الكيمياء سنة 1967

[14]- Eigen (Manfred), Steps towards Life: A Perspective on Evolution, 1987

[15] - تفشّى الفيروس للمرّة الأولى في مدينة ووهان الصّينية في أوائل شهر ديسمبر من سنة 2019. لتعلن منظّمة الصحّة العالميّة رسميًا في 30 جانفي أن تفشّي الفيروس يُشكّل حالة طوارئ صحّية عالميّة تبعث على القلق الدّولي، ثمّ لتؤكّد بشكل رسميّ تحوّل الوضع إلى جائحة عالميّة يوم 11 مارس 2019.

[16]-�� Garapon (Antoine), "Un Moment d�exception", Revue Esprit-5 (Mai 2020), pp 87-92.

[17] - ليبس (يوليوس)، أصل الأشياء: بدايات الثّقافة الانسانيّة. ترجمة كامل إسماعيل. دار المدى للثقافة والنّشر، سورية. ط2، 2006. ص14

[18] - ربيع ردمان، جائحة القرن: الدّروس المستفادة، أفريل2020

[19] - فيديو انهيار وبكاء مدير مستشفى ماطر في تونس بسبب اقتراب نفاد الأكسجين19-07-2021���� (https://www.youtube.com/watch?v=DXS7h7bj5W0 )

[20] - نورمان لويس، مقال حافّة الذّعر الكوني. ترجمة مروى بن مسعود. مجلّة الدّوحة أفريل2020 ص150

[21] - نعثر على مقال بعنوان: "هل من المشروع المطالبة بإحداث ولاية جربة؟" بقلم مراد بن جلول (أستاذ محاضر بجامعة تونس) بتاريخ 25 أفريل, 2020)�� موقع أنباء تونس (Kapitalis

[22] - يمكن الإحالة على اجتماع طقوس الخوف والإحساس بالمأسويّ من ناحية وطقوس العربدة والإسراف من ناحية أخرى: في : الإرهاب المقدّس، تيري إيجلتون. الفصل الأوّل: "دعوة إلى طقوس عربيدة". ترجمة أسامة إسبر. ط.دار بدايات سورية 2007

[23] - جورج باطاي، الإيروسيّة، ترجمة محمّد عادل مطيمط، دار التّنوير للطّباعة والنّشر، ط1، 2017 ص30

[24] - عن صفحة المعهد العربيّ لحقوق الإنسان فرع الجنوب بتاريخ: 09-04-2020

[25] - صورة الدكتور زيد العنز من موقع: https://www.google.com/search?q=%D8%AF.%D8%

[26] - مريم المرزوقي: مدنين مهاجرون يرفضون التّلقيح ضدّ كورونا. (عن الصّفحة الرّسميّة لتونس الرّقميّة في اليوتيوب بتاريخ11 أغسطس 2021)

[27] - دليل الحوار بين أتباع الأديان في مواجهة جائحة كوفيد-19 الذي أصدره مركز الحوار العالمي (كايسيد) (وهو مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالميّ للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (KAICIID). وهي منظّمة دوليّة تأسست عام 2012 بشراكة بين السّعودية وجمهورية النّمسا ومملكة إسبانيا إلى جانب الفاتيكان بصفته عضوا مراقباً. ويقع مقرّها في مدينة فيينا عاصمة النمسا. تسعى إلى تعزيز ثقافة احترام التنوّع وإرساء قواعد العدل والسّلام بين الأمم والشّعوب.

[28] - موقع "صوت الأمة" المصريّ: مقال:يوتيوب vs تيك توك".. "من سيفوز في الحرب المحتدمة بسبب كورونا؟" 2020.

[29] - هي راقصة وفنّانة استعراضيّة تونسيّة ذات صيت واسع على مواقع التواصل الاجتماعيّ.

[30] - طبيب نفسيّ ورئيس وحدة العلاج في عيادة أوبيربرج kurfurstendamm في برلين

[31]- Philippe Ari�s, Essais sur l'histoire de la mort en Occident, Du Moyen �ge � nos jours, 1974������ ����������������������

[32] - ضبط آرنس أشكالا أربعة للموت: 1-الموت المروّض / 2-الموت الذّاتيّ/ 3- موت الغير/ 4-الموت المنقلب إلى ضدّه

[33] - عبد الرّحيم العطري، "من الحجر إلى الضّجر"، مجلّة الدّوحة، عدد173، مارس2022

[34] - جان كاليبستر، مقال العالم غير آمن وعلينا التكيّف.ترجمة محمّد الإدريسي. الدّوحة أفريل2020

[35] -أشارت الباحثة أوريان غيلبو Auriane Guilbaud المُحاضِرة في العلوم السّياسيّة بمعهد الدّراسات الأوروبيّة في جامعة "باريس8" (والتي أسهمت سنة 2015 في تأليف كتاب "عودة الأوبئة "المركز الوطنيّ للبحوث العلميّة بفرنسا")في حوار أجراه معها بول سوجي (le figaro عدد 27 فبراير 2020 . ) إلى أنّ منظَّمة الصحَّة العالميّة لا تزال منظَّمة حكوميّة دوليّة، وأنّ صنَّاع القرار همّ في نهاية المطاف الدّول الأعضاء. وكما هو الحال في الأوبئة السّابقة لم تكن التّمويلات بالشّكل أو السرعة المطلوبين فمن مجموع 61مليون دولار طلبتها المنظَّمة لمكافحة فيروس كورونا covid19 لم تحصل سوى على 1.4 مليون حتى الآن. وظلّت28 مليون دولارا في شكل وعود.